قليلة جدا الفترات التي مرت على المنطقة وعبر التاريخ الطويل منذ بداية تشكل الدولة الإسلامية كان فيها الحكم ديموقراطيا بل كانت صفة الاستبداد ملازمة لمعظم الحقب التاريخية، ومعظم الدول الخلافات والسلطنات التي تأسست في ما يقارب ال 1500 سنة.
هذا الاستبداد أقلق وعبر التاريخ أيضا الكتاب والمفكرين، واحدهم كان عبد الرحمن الكواكبي فألف في هذا كتابا عنوانه طبائع الاستبداد ومصارع الاستبعاد اخترنا منه هذه المختارات
ألف
ومما جاء في كتابه :
أن الاستبداد يضعف الأخلاق أو يفسدها أو يمحوها، فيجعل الإنسان يكفر بنعم مولاه، لأنه لم يملكها حق الملك ليحمده عليها حق الحمد.
ويجعله حاقدا على قومه لأنهم عون لبلاء الاستبداد عليه .
وفاقدا حب وطنه لأنه غير آمن على الاستقرار فيه ويود لو انتقل منه
وضعيف الحب لعائلته ، لأنه ليس مطمئنا على دوام علاقته معها.
ومختل الثقة في صداقة أحبابه، لأنه يعلم منهم أنهم مثله لا يملكون التكافؤ. وقد يضطرون لإضرار صديقهم بل وقتله وهم باكون.
أسير الاستبداد لا يملك شيئا ليحرص على حفظه، لأنه لا يملك مالا غير معرض للسلب، ولا شرفا غير معرض للإهانة.
ولا يملك الجاهل منه آمالا مستقبلة ليتبعها ويشقى، كما يشقى العاقل في سبيلها.
في ظل الاستبداد فإن طالب الحق فاجر وتارك حقه مطيع، والمشتكي المتظلم مفسد، والنبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين.
وقد اتبع الناس الاستبداد في تسميته الغيرة عداوة، والشهامة عتوا، والحمية حماقة، والرحمة مرضا.
كما جاروه في اعتبار أن النفاق سياسة ، والتحيل كياسة والدناءة لطف والنذالة دماثة.
أقل ما يؤثره الاستبداد في أخلاق الناس ، أنه يرغم حتى الأخيار منهم على ألفة الرياء والنفاق ، ولبئس السيئتان.
وأنه يعين الأشرار على إجراء غي نفوسهم آمنين منكل تبعة ولو أدبية.
فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح. لأن أكثر أعمال الأشرار تبقى مستورة، يلقي عليها الاستبداد رداء خوف الناس في تبعة الشهادة على ذي شر، وعقبى ذكر الفاجر بما فيه.
لهذا شاعت قواعد كثيرة باطلة كقولهم: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب…وقد تغالى وعاظهم في سد أفواههم حتى جعلوا لهم أمثال هذه الأقوال من الحكم النبوية.
الاستبداد المشئوم يؤثر على الأجسام فيورثها الأسقام ، ويسطو على النفوس فيفسد الأخلاق ، ويضغط على العقول فيمنع نماءها بالعلم …بناء عليه تكون التربية والاستبداد عاملين متعاكسين في النتائج ، فكل ما تبنيه التربية مع ضعفها ، يهدمه الاستبداد بقوته…وهل يتم بناء وراء هادم؟
الاستبداد ريح صرصر فيه إعصار يجعل الإنسان كل ساعة في شأن …وهو مفسد للدين في أهم قيمه أي الأخلاق .
وأما العبادات منه فلا يمسها لأنه تلائمه في الأكثر. ولهذا تبقى الأديان في الأمم المأسورة عبارة عن عبادات مجردة، صارت عادات فلا تفيد في تطهير النفوس شيئا، ولا تنهي عن فحشاء ولا منكر. لفقد الإخلاص فيها تبعا لفقده في النفوس التي ألفت أن تتلوى بين مدى سطوة الاستبداد في زوايا الكذب والرياء والخداع والنفاق.
الاستبداد يضطر الناس إلى استباحة الكذب والتحيل والخداع والنفاق والتذلل.
وإلى نبذ الجد وترك العمل، وينتج عن ذلك أن الاستبداد المشئوم هو يتولى بطبعه تربية الناس على هذه الخصال الملعونة.
الاستبداد يقلب السير من الترقي إلى الانحطاط، ومن التقدم إلى التأخر، من النماء إلى الفناء، ويلازم الأمة ملازمة الغريم الشحيح…
وقد بلغ فعل الاستبداد بالأمة أن يحول ميلها الطبيعي من طلب الترقي إلى طلب التسفل ، بحيث لو دفعت إلى الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهر من النور …
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق